خطر الخوارج على الإسلام لفضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى

عرض المقال
خطر الخوارج على الإسلام لفضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى
8751 زائر
29-01-2013
الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71]. أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. أيها المسلمون، أخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى». وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة رضى الله عليه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم :من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما عرفته من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من نفسه أو قلبه».
عباد الله، السنة في هذا الباب أعني بما هو في معنى هذين الحديثين إن لم يكن مواترا عن النبي صلي الله عليه وسلم وما إخاله إلا متواترا، فهو مستفيض أكثر من أن يحصى، والناظر يا عباد الله في هذين الحديثين الصحيحين إذا كان طالبا للهدى قاصدا للحق، محبا سلوك سبيل المؤمنين، والبعد عن سلوك سبيل المجرمين وطريق الشياطين من الجن والإنس، يظهر له بالتأمل الدقيق والنظر الثاقب والبصيرة ما يأتي:
أولا: إن العصمة لدم المسلم وماله ثابتة بثلاثة أمور: وهي الشهادتان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا من أقوى الأدلة يا عباد الله على أن تارك الصلاة، وإن كان يتركها تهاونا، متعمدا بلا عذر فإنه كافر حلال الدم والمال يقضي بذلك حكام المسلمين، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا.

ثانيا: يباح دم المسلم إذا ارتكب محرما، يستباح به دمه وهذا إيضاحه فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عليه، وهو إيضاح لما في حديث ابن عمر: «إلاّ بحق الإسلام».

ثالثا: في حديث أبي هريرة دليل قاطع على أن من مات على التوحيد استحق شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم نال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا يا عباد الله: 1/ بيان فضل التوحيد وأنه أصل الأصول وقاعدة الدين وأساسه. 2/ ثم هو دليل قاطع على ثبوت الشفاعة، شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر، الذين يلقون الله على كبائر من الذنوب مثل القذف والسرقة وشرب المسكر وغير مستحلين لها، لقوا الله عليها مصرين دون توبة، فإنهم بفضل الله وبرحمته وبالشروط المعتبرة تدركهم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ما داموا ماتوا على التوحيد. وفي هذا يا عباد الله دليل على بطلان القول بتكفير المسلمين حكاما ومحكومين جزافا بلا هوادة ما داموا مرتكبين للكبائر والمفسقات، وهذا هو مذهب أهل الخوارج، فيا عباد الله اتقوا الله في المسلمين وارعوا حرمتهم ولا تكفروا أحدا بذنب حتى يستحله وذلكم يا عباد الله ما عليه جماهير المسلمين من أئمة السلف السابق منهم واللاحق أنه لا يكفر أحدّ من أهل القبلة مات على ذنب، مات على كبيرة دون الكفر والشرك حتى يستحلها، ومن ذلكم يا عباد الله ما قاله الإمام أحمد في الكتاب المعروف: أصول أهل السنة أو أصول السنة برواية عبدوس بن مالك العطار مما قاله الإمام أحمد، إمام أهل السنة بلا منازع: (ومن مات من أهل القبلة موحدا، يصلّى عليه ويستغفر له ولا تترك الصلاة عليه ولا الدعاء له أمره إلى الله)، وبذلك قال أئمة الهدى أئمة السلف أئمة السنة والجماعة، فلا تغرنكم يا عباد الله بنيات الطريق، إتقوا الله في المسلمين، فمن ثبت إسلامه بيقين فلا يزول إسلامه إلا بيقين، وليس لأحد أن يبيح دم المسلم أو ماله إلا بحكم الحاكم القاضي الشرعي الذي يثبت عنده بالبينة أن فلانا من الناس حلال الدم والمال، فاللهم احفظنا في ديننا وأعراضنا وعقولنا ونفوسنا وسددنا في أقوالنا وأعمالنا.



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا أما بعد. فيا أيها المسلمون إذا كان في زمانكم هذا ظهرت فتن من بني جلدتكم تدع الحليم حيران إلا من عصمه الله بالسنة فاعلموا أن ذلك ليس بغريب، حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة في هذا الباب يا عباد الله متواترة وكثيرة جدا، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي على الناس يوم أو زمان إلا والذي بعده شرّ منه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين، ويتحدّث الرويبضة، قالوا وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتحدث في أمر الناس». وأخرج الترمذي في جامعه وحسنه من حديث أبي هريرة وأراه حسنا إن شاء الله بمجموع طرقه حسب مبلغ علمي والله أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر الزمان أقوام يختِلون الدنيا بالدين، يلبسون المُسُوك من جلدود الضأن» (جلد الضان ليّن يعرفه أهل الماشية) «ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى: أبي يغترون وعليّ يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيرانا».

عباد الله: تقدم فيما خاطبتكم به في الجُمَع الماضية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة وفيه، وهو يذكر أهل الفتن والمحن والبلايا التي يجرّها أناس من الأمة على الأمة: «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قال: فصفهم لنا يا رسول الله، قال: هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» وفيما سمعتم يا عباد الله من هذه الأحاديث وقد أسلفت لكم أن ما في معناها في هذا الباب متواتر، وَصف أو أوصاف لأولئكم الفتانين، دعاة الفرقة ودعاة الفتنة ودعاة الإفساد في الأرض وتفريق الكلمة، يقصدون إلى الإفساد بحجّة البناء وإلى الفرقة بحجة جمع الكلمة، يستجلبون من الناس الأموال الكثيرة ويستفطبون الجموع الكثيرة ويستقطبون الجموع الغفيرة لنشر ما لديهم من هدم وتخريب وإفساد وبلايا على الأمة، فيا عباد الله اتقوا الله سبحانه وتعالى في دينكم، واتقوا الله في التوحيد والسنة ولا تتركوا فرصة لمبتغي الفتن والضلال والبدع، احذروا البدع فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذّر منها أصحاب النبي صلي الله عليه وعلى اله وسلم وحذر منها أئمتكم، أئمة السنة والجماعة، قال عبد الله بن زيد الجرمي أبو قلابة رحمه الله: "ما ابتدع الرجل بدعة إلا استحلّ السيف". واستعينوا بالله واصبروا على التوحيد والسنة وصابروا، فإن التوحيد هو أصل الدين وأساسه.

إعلموا أيها المسلمون أن الإسلام هو السنة وأن السنة هي الإسلام لا ينفك أحدهما عن الآخر فاللهم هيء لنا من أمرنا رشدا وأصلح ما فسد من أمرنا ،اللهم اجمع كلمتنا حكاما ومحكومين على الإسلام والسنة، اللهم من أرادنا في ديننا وبلادنا وعقيدتنا وولاة أمرنا بسوء فردّ كيده في نحره وأحِله عاجلا غير آجل ما يكره في نفسه وماله، وخذه أخذ عزيز مقتدر وأجعله لمن اعتبر، اللهم احفظ بلد الإسلام والسنة اللهم احفظ دولة الإسلام والسنة، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا عبدك ابن عبدك فهد بن عبد العزيز وشد أزره بإخوانه من الأمراء والحكام والمفتين والعلماء والوزراء واجعلهم جميعا هداة مهتدين صالحين مصلحين يقولون بالحق وبه يعدلون. سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أنت وليّنا في الدنيا والآخرة توفنا مسلمين وابعثنا مسلمين وأحينا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين. سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71]. أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.أما بعد: أيها المسلمون، في أربع جمع خلت حدثتكم عن قضية الساعة وأفضت فيها كثيرا، وحسبي أيها المسلمون أنه بان لكم من خلال حديثي معكم في تلكم الجمع أن تلك الأعمال ،الأعمال الرعناء والتصرفات الهوجاء الحمقاء هي من مسلك الخوارج، وأحدثكم اليوم حكاما لحديثي معكم في تلكم القضية التي هي قضية الساعة، أحدثكم أيها المسلمون عن أمرين:

الأمر الأول: يجب عليك أيها المسلم أن تعلم علم اليقين وأن تتحقق حق اليقين خطر الخوارج على أهل الإسلام في كل زمان ومكان، وأنه لن يخلو زمانّ منهم، ذلكم بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صحّ عنه أنه كلما قطع منهم فِرق أو قرن خرج آخر حتى يخرج في عراضهم الدّجال، كما يجب عليك أن تعلم أيها المسلم أن سنة نبيك صلى الله عليه وسلم الصحيحة قد تواترت بوصفهم في أبشع الأوصاف وبيان حالهم، والأمر بقتلهم وقتالهم ومن تلكم الأحاديث الصحيحة يا عباد الله في هذا الباب ما…عن زيد بن وهب الجهني وكان في جيش علي الذي قاده أمير المؤمنين علي رضى الله عليه لحرب الخوارج الذين خرجوا عليه في النهروان، قال علي رضى الله عليه : «يا أيها الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم يقول: يخرج أقوام يقرؤون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، وليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء وليس صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم» (أو قال حناجرهم)، « يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية». ومنها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سعيد بن أفلح عن علي رضى الله عليه قال: «يخرج أقوام من أمتي حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام» (أو قال يمرقون من الدين) «كما يمرق السهم من الرمية».

عباد الله، بهذا وما في معناه لمن خبر السنة مطالعة وسماعا يستبين له من أوصاف الخوارج: أولا: أنهم عندهم عبادة، عندهم صلاة، عندهم صيام، عندهم قرآن، لكنهم ليسوا في أهل الإسلام في شيء، يمرقون عن الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وهذا وعيد لهم على ما يركبونه من قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان واستباحة ما حرم الله من الأموال والدماء والنفوس المعصومة وهتك الأعراض. ثانيا: أنهم ليسوا عقلاء مثل أهل السنة، يقفون عند ما أحله الله فيحلّونه، يقفون عند ما حرم الله فيحرمونه، يقولون بأهوائهم وبآرائهم حتى يستبيحوا ما حرم الله، حدثاء أسنان، سفهاء أحلام، ليس عندهم عقل يميزون به ما يميز به أهل السنة الحلال من الحرام، والطيب من الخبيث وإنما استحكم في رؤوسهم الهوى وتملّك قلوبهم الشبهة –عافانا الله وإياكم من الشبهات والشهوات- فإن هذه أمراض القلوب التي تميتها وتبعدها عن الحق والهدى. وقد صحّ عن نبيكم صلى الله عليه وسلم يا أيها المسلمون من حديث علي وغيره أنه قال: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن من قتلهم له أجرا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد وإرم».

عباد الله: السنة، السنة، اعلموا أيها المسلمون أن الإسلام هو السنة وأن السنة هي الإسلام، وأنه لا يعقِل القرآن والسنة على ما أراد الله وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم إلا من تربى على علماء السنة، ومن وقرهم ورعى حرمتهم، فاتقوا الله أيها المسلمون، وأحذروا محدثاث الأمور، وإن كانت صغارا، فإن صغار المحدثات تتحكم بالقلب وتستحوذ عليه حتى يركب العظائم من الجرائم والآثام -عافانا الله وإياكم من كل سوء في الدنيا والآخرة-.



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله واصحابه وسلم تسليما مزيدا أما بعد.

فيا أيها المسلمون: الأمر الثاني: فيما بعث الخوارج على ركوبهم المحرمات وانتهاكهم الحرمات وتفريقهم جماعة المسلمين وسلوك غير سبيل المؤمنين من شياطين الجن والإنس ما هو؟ لقد ذكر العلماء أسبابا كثيرة جعلت القوم يقترفون ما اقترفوا من الجرائم ويرتكبون ما ارتكبوا من الآثام، غير مبالين بقرآن ولا سنة، وإنما الهوى والبدعة، فأوردهم الهلكة، فأوردهم ذلكم الهلكة، وبئس الورد المورود، سماهم نبيكم عليه الصلاة وسلام كلاب النّار، ويكفي بهذا شناعة وتنبيها على خطرهم، وتحذيرا من شرهم وإن كانوا تربوا في بيوتنا وصلوا صلاتنا وجمَّعوا جُمَعَنَا، وصلوا معنا الأعياد، وحجوا البيت الحرام، فإنهم حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون .

أقول من تلكم الأسباب والبواعث، زعمهم ظلم الحكام وفشوا المنكرات والمعاصي، فهم يزعمون الإصلاح ولكنهم يفسدون، ويعمدون إلى البناء فيما يدعون، لكنهم يهدمون ويخربون، شهّروا بالحكام على الملأ، ونشروا مثالبه ومساويهم فيما أمكنهم من الفرص في وسائل مختلفة من وسائل النشر من إذاعة وصحافة وغيرها بحجة الإصلاح، وهذه الدندنة قديمة، والشنشنة موروثة من أيام النهروان، بل من قبل، من أيّام السبئية الذين ثاروا على أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضى الله عليه، وحرضوا العامة والرعاع من الناس حتى قتلوه، ثم بعد ذلك نهبوا بيت مال المسلمين فانظروا كيف انتهى بهم هذا الزعم، فلو أن القوم انتهجوا السنة وسيرة السلف الصالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما ركبوا ما ركبوا من المحرمات ولكن جهلا وحماقة وعمى بصيرة وقعوا في أكبر ممّا يزعمون النهي عنه من استحلال ما حرم الله سبحانه وتعالى إذ هم يكفّرون الحكام ومن يواليهم من الناس، ومن الشعوب كما يقولون اليوم، فالحكام العصاة كفار عند القوم، ومن يواليهم ويرفع السيف في وجوههم، ويحاربهم فهو كافر مثلهم حلال الدم والمال، تسبى ذراريهم، وتُغنم أموالهم، ذلك زعموا.

الثاني: العصبية القبليّة التي كانت في الجاهلية، ثم في أول الإسلام :سخطت ربيعة وتنكرت لمُضر، سخطت ربيعة (أعني كفارهم) وتنكرت لمضر إذ كان مبعث نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم من قريش، وقريش من مضر، والعصبية القبلية موجودة فيمن نهَج نهج الخوارج، يعرف ذلك في لحن أقوالهم بل في صريح عباراتهم أن غيرهم من الناس ليس أولى منهم بالحكم.

هذه يا عباد الله بعض الأسباب وثمة سبب آخر وهو أُسُّ القوم أس خروجهم، سبب اقتصادي، سبب مالي بعث على الحاكمية التي يرفع عقيرته من يرفعها بهم من دعاة الإصلاح فيما يزعمون أتدرون ما ذلكم السبب الذي صحّ به الخبر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هو أن ذا الخويصرة التميمي قال يا رسول الله إعدل (وفي رواية: إنها قسمة ما أريد بها وجه الله) قال ذلكم متى؟ حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من المال بعث به إليه علي رضى الله عليه وأعطى من أعطى ذلك المال رجالا مؤلفة قلوبهم فتغضّبت قريش والأنصار فقالوا: يُعطي صناديد نجد ويدعنا؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما أتألُّفهم»، ومن ذلكم الرهط الذين تألفهم رسول الله صلي الله عليه وسلم الأقرع بن حابس التميمي، فلما سمعت قريش والأنصار مقالة النبي صلي الله عليه وسلم سكنوا وسكتوا عالمين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يفعل إلا ما أمر الله به وما هو عين المصلحة للإسلام وأهله، أما ذو الخويصرة فقد رفع عقيرته بما سمعتم في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتهمه بالحيف واتهمه بالجور واتهمه بالظلم، فاستأذن خالد بن الوليد أو غيره عليه الصلاة وسلام في قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا»، فلما ولي قال: «إنه يخرج من بضع هذا أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم».

فبان لكم أيها المسلمون أن البواعث على خروج الخوارج هو الجهل بحدود الله، فسلكوا غير مسلك أهل السنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتخذوا أسبابا اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، ويروِّعوا العاملين ويستحلّوا ما حرّم الله سبحانه وتعالى.

فاللهم هيء لنا من أمرنا رشدا، اللهم احفظ دولة التوحيد والسنة، اللهم اجمع كلمتنا على البر والهدى والتقوى، اللهم من أرادنا في بلادنا وديننا وولاة أمورنا بسوء فامكر به عاجلا وأجعله عبرة لمن اعتبر وخذه أخذ عزيز مقتدر، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

أعد هذه المادة: أبو عبد الله القسنطيني الأثري

   طباعة 
0 صوت